الجزائر ليست فرقة كرة قدم
صفحة 1 من اصل 1
الجزائر ليست فرقة كرة قدم
وصلتني رسالة لطيفة من رجل محترم يفيض قلبه حبا لكل عربي ويعمل جاهدا على إعادة نسج ما افسده الإعلام المتصابي ، وإذ أنشر له هذه الرسالة بودي أن يصبر علي قليلا ، ريثما أجد الفرصة السانحة لنشر رسالته في مواقع أخرى أكثر مقروئية ـ
إليكم نص الرسالة كما وصلت
الجزائر شعب وتاريخ
وحضارة
وليست أحد عشر لاعبا
بكرة !
د. أحمد الخميسي
أظن أن الجميع ولست وحدي قد أصيب بالدهشة من ذلك التحول الذي حدث في طبيعة
مباراة كرة قدم عابرة ، لتنقلب من لعبة إلي حالة العلاقات المتوترة بين مصر
والجزائر بل والسودان على المستويين الرسمي والشعبي . والذين يحاولون بالضجيج
اختزال الجزائر في أحد عشر لاعبا بكرة ، يكشفون بتلك المحاولة فقط عن طبيعة عقولهم
هم ، أما الجزائر فتبقى ذلك الشعب العربي العظيم الذي قدم المليون شهيد من أجل
حريته ، وضرب أبناؤه أروع أمثلة البطولة والتحدي في الكفاح من أجل الاستقلال وفي
الكفاح الثقافي من أجل التعريب . والغريب أنه في شهر نوفمبر هذا تحل الذكرى
الخامسة والخمسون لانطلاق جبهة التحرير الوطني
عام 1954 التي تمكنت بعد ثلاث سنوات من طرح قضية الشعب الجزائري في الأمم
المتحدة ، ثم أعلنت بعد ذلك بعام واحد عن قيام حكومتها المؤقتة . وخلال المفاوضات
مع الفرنسيين ألقى فرحات عباس رئيس
الحكومة المؤقتة في وجوه الفرنسيين بعبارته الشهيرة : " أفضل أن نصبح عشرة
ملايين من الجثث على أن نكون عشرة ملايين فرنسي " . في تلك السنوات البعيدة
كانت الإذاعة المصرية لا تتوقف عن بث أنباء الثوار الجزائريين ، وقامت مصر بتقديم
الدعم لهم معنويا وماديا ، بل وكانت القاهرة محطة للمفاوضات التمهيدية لتحرر
الجزائر . وسمعنا أيامها أسماء أبطال عظام مثل أحمد بن بيلا ، وجميلة بوحريد ،
وغيرهما ، وكانت النفوس مشحونة في مصر كلها بحب الجزائر وتأييدها . وفي عام 1958
كنت أتابع الأخبار من الإذاعة ، وشملتني غمرة الحماسة المصرية للشعب الجزائري
البطل ، واعتبرت نفسي وأنا في العاشرة من عمري كاتبا ، فسودت ورقتين لا أذكر ماذا
كان بهما وقلت لأخواتي : مسرحية عن الجزائر . وأجبرت أخواتي على القيام بالأدوار
التمثيلية في صالة البيت كلما ساق القدر إلي بيتنا أحد أقاربنا ، فيجلس مستمعا إلي
صياحنا وزعيقنا ثم يهنئنا منصرفا ويتوب بعدها عن زيارتنا . إلي هذه الدرجة قام
الإعلام المصري بدوره حتى شحن النفوس كلها بحب الحرية . عام 1962 انتزعت الجزائر استقلالها
، وجاء أحمد بن بيلا إلي القاهرة ، وكان موكبه محاطا بالالآف من المصريين البسطاء
. هذه هي الجزائر التي أعرفها ، الجزائر التي قدمت أبناءها دون حساب من أجل
كرامتها وتحررها ، وهذه هي الجزائر التي أحس أن قلبي عامر بحبها . ولم يكن ليخطر
لي أبدا ، أن يتصور البعض أن الجزائر هي فرقة كرة قدم ! فيشحن النفوس بكل ذلك
التعصب والكراهية والتوتر ، ويلطخ تاريخا طويلا وعريقا سجل فيه المبدعون المصريون
موقفهم من الجزائر حين أخرج يوسف شاهين فيلمه " جميلة بوحريد " وحين كتب
صلاح جاهين قصيدته الرائعة عن جميلة ، وغير ذلك كثير . ولنتذكر الآن الأيام
السابقة على مباراة مصر والجزائر في القاهرة ، لنتذكر كيف كانت شاشات التلفزيون
عندنا تعرض لشباب يتقدمون كأنهم في حرب ، ويصرخون " شجع مصر " ، لا
يصرخون " شجع المنتخب المصري " لكن " شجع مصر " ، كأن فرقة كرة
القدم هي مصر . أليس هذا أيضا اختزالا لحجم مصر العظيم ؟ . لقد قام الإعلام بشحن
النفوس عندنا إلي أقصى درجة ، بحيث أصبح مجرد سقوط زجاجة من على سطح منضدة كفيلا
بإثارة معركة ، فما بالك بأهداف تدخل المرمى ! . المسئول الأول عما حدث في تقديري
هو وسائل الإعلام التي تصرفت دون أدني قدر من المسئولية ، فجعلت من لعبة كرة القدم
حدثا قوميا ، وجعلتنا نسمع أصوات المذيعين المبتهلة من أجل الانتصار والفوز كأن
ذلك غاية المراد . أظن أن على المثقفين أن يبذلوا أقصى جهد لوقف المهزلة ، وقد
أصدرت مجموعة من المثقفين الجزائريين المرموقين بيانا بديعا بهذا الصدد بعنوان
" لا للشوفينية " ، كما حذر اتحاد كتاب مصر من الانسياق إلي مخططات
خارجية ترمي لتخريب العلاقات بين مصر والجزائر .
***
أحمد الخميسي . كاتب مصري
Ahmad_alkhamisi@yahoo.com
إليكم نص الرسالة كما وصلت
الجزائر شعب وتاريخ
وحضارة
وليست أحد عشر لاعبا
بكرة !
د. أحمد الخميسي
أظن أن الجميع ولست وحدي قد أصيب بالدهشة من ذلك التحول الذي حدث في طبيعة
مباراة كرة قدم عابرة ، لتنقلب من لعبة إلي حالة العلاقات المتوترة بين مصر
والجزائر بل والسودان على المستويين الرسمي والشعبي . والذين يحاولون بالضجيج
اختزال الجزائر في أحد عشر لاعبا بكرة ، يكشفون بتلك المحاولة فقط عن طبيعة عقولهم
هم ، أما الجزائر فتبقى ذلك الشعب العربي العظيم الذي قدم المليون شهيد من أجل
حريته ، وضرب أبناؤه أروع أمثلة البطولة والتحدي في الكفاح من أجل الاستقلال وفي
الكفاح الثقافي من أجل التعريب . والغريب أنه في شهر نوفمبر هذا تحل الذكرى
الخامسة والخمسون لانطلاق جبهة التحرير الوطني
عام 1954 التي تمكنت بعد ثلاث سنوات من طرح قضية الشعب الجزائري في الأمم
المتحدة ، ثم أعلنت بعد ذلك بعام واحد عن قيام حكومتها المؤقتة . وخلال المفاوضات
مع الفرنسيين ألقى فرحات عباس رئيس
الحكومة المؤقتة في وجوه الفرنسيين بعبارته الشهيرة : " أفضل أن نصبح عشرة
ملايين من الجثث على أن نكون عشرة ملايين فرنسي " . في تلك السنوات البعيدة
كانت الإذاعة المصرية لا تتوقف عن بث أنباء الثوار الجزائريين ، وقامت مصر بتقديم
الدعم لهم معنويا وماديا ، بل وكانت القاهرة محطة للمفاوضات التمهيدية لتحرر
الجزائر . وسمعنا أيامها أسماء أبطال عظام مثل أحمد بن بيلا ، وجميلة بوحريد ،
وغيرهما ، وكانت النفوس مشحونة في مصر كلها بحب الجزائر وتأييدها . وفي عام 1958
كنت أتابع الأخبار من الإذاعة ، وشملتني غمرة الحماسة المصرية للشعب الجزائري
البطل ، واعتبرت نفسي وأنا في العاشرة من عمري كاتبا ، فسودت ورقتين لا أذكر ماذا
كان بهما وقلت لأخواتي : مسرحية عن الجزائر . وأجبرت أخواتي على القيام بالأدوار
التمثيلية في صالة البيت كلما ساق القدر إلي بيتنا أحد أقاربنا ، فيجلس مستمعا إلي
صياحنا وزعيقنا ثم يهنئنا منصرفا ويتوب بعدها عن زيارتنا . إلي هذه الدرجة قام
الإعلام المصري بدوره حتى شحن النفوس كلها بحب الحرية . عام 1962 انتزعت الجزائر استقلالها
، وجاء أحمد بن بيلا إلي القاهرة ، وكان موكبه محاطا بالالآف من المصريين البسطاء
. هذه هي الجزائر التي أعرفها ، الجزائر التي قدمت أبناءها دون حساب من أجل
كرامتها وتحررها ، وهذه هي الجزائر التي أحس أن قلبي عامر بحبها . ولم يكن ليخطر
لي أبدا ، أن يتصور البعض أن الجزائر هي فرقة كرة قدم ! فيشحن النفوس بكل ذلك
التعصب والكراهية والتوتر ، ويلطخ تاريخا طويلا وعريقا سجل فيه المبدعون المصريون
موقفهم من الجزائر حين أخرج يوسف شاهين فيلمه " جميلة بوحريد " وحين كتب
صلاح جاهين قصيدته الرائعة عن جميلة ، وغير ذلك كثير . ولنتذكر الآن الأيام
السابقة على مباراة مصر والجزائر في القاهرة ، لنتذكر كيف كانت شاشات التلفزيون
عندنا تعرض لشباب يتقدمون كأنهم في حرب ، ويصرخون " شجع مصر " ، لا
يصرخون " شجع المنتخب المصري " لكن " شجع مصر " ، كأن فرقة كرة
القدم هي مصر . أليس هذا أيضا اختزالا لحجم مصر العظيم ؟ . لقد قام الإعلام بشحن
النفوس عندنا إلي أقصى درجة ، بحيث أصبح مجرد سقوط زجاجة من على سطح منضدة كفيلا
بإثارة معركة ، فما بالك بأهداف تدخل المرمى ! . المسئول الأول عما حدث في تقديري
هو وسائل الإعلام التي تصرفت دون أدني قدر من المسئولية ، فجعلت من لعبة كرة القدم
حدثا قوميا ، وجعلتنا نسمع أصوات المذيعين المبتهلة من أجل الانتصار والفوز كأن
ذلك غاية المراد . أظن أن على المثقفين أن يبذلوا أقصى جهد لوقف المهزلة ، وقد
أصدرت مجموعة من المثقفين الجزائريين المرموقين بيانا بديعا بهذا الصدد بعنوان
" لا للشوفينية " ، كما حذر اتحاد كتاب مصر من الانسياق إلي مخططات
خارجية ترمي لتخريب العلاقات بين مصر والجزائر .
***
أحمد الخميسي . كاتب مصري
Ahmad_alkhamisi@yahoo.com
????- زائر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى